خرج من الديوان قاد السيارة ببطء شديد في شارع مزدحم، السيارات خلفه تطلق ابواقها لاستعجاله. ما لهؤلاء الناس؟! وما الذي جرى لهم؟! أسرع قليلا. الشوارع تختلف. الانوار متشابهة. الى اين هو ذاهب؟ انه يتذكر ان بيتهم يقع بجانب الجمعية، ولكن اين هذه الجمعية؟ وهل نقلت من مكانها؟ ولماذا هذه الشوارع ليس لها نهاية؟ حدث هذا لزميلنا ابو محمد، انه في العقد السابع من عمره، ولكنه بدا ينسى اساسيات الحياة وتنتابه حالة من الذهول وفي بعض الاحيان لا يتعرف على اصدقائه وافراد عائلته.
في فترات متقاربة تعود اليه الذاكرة بعض الشيء، وحين نذكر له انه قد تاه في الطريق وانه قد لبس حذاء غيره عند الخروج من الديوان كان يصمت ويفكر، ثم يقول: شيء مؤلم ان ينسى الانسان اصدقاءه وماضيه وذكرياته ووجه والدته المتوفاة منذ مدة. نصحناه بمراجعة المستشفى فهناك بعض الادوية التي تنعش الذاكرة ـــ ولو انني لا أثق بفعاليتها ـــ لقد بدأ ابو محمد ينسى نفسه وتاريخه، واقرب الناس اليه، زوجته، بانهيار واضح لهذه القدرات البدائية.
ولكن ما هذا المرض؟ لقد اكتشفه اختصاصي الاعصاب لويس الزهايمر سنة 1960 وسمي المرض باسمه، وكانوا يعتقدون انه الخرف، ولكن لاحظوا ان اعراضه تظهر في سن الاربعين أحيانا. وهو حالة من القصور العقلي الذي لا يرجى منه شفاء، وأهم اعراضه هو فقدان الذاكرة وقصور في انجاز الاشياء التي تحتاج الى مجهود عقلي بسيط. تقول بعض الدراسات ان اساس المشكلة تعود الى نقص مادة «الاستايل كولين» وهي مادة مهمة لنقل الاشارات الدماغية، واختلف العلماء في اسباب قصور هذه المادة، واغلبهم يرجعها الى عامل وراثي. لقد أظهرت الاشعة المقطعية وجود فراغات في بعض اجزاء المخ تزداد مع مرور الوقت وتدهور الحالة الصحية واختفاء الخلايا المناط بها استرجاع المعلومات. في الولايات المتحدة يوجد قرابة 5 ملايين مصاب بالمرض، وتتوقع جمعية الزهايمر الاميركية وصول العدد الى 14 مليوناً في منتصف القرن الحالي.
عن طريق ابو محمد تمكّنت من البحث عن هذا المرض وعرفت انه طريق واحد، اذا تمكن من انسان حرق ماضيه ومستقبله، وهكذا كان، ولا يوجد علاج ناجع لهذا المرض، ولكن وقوف العائلة مع المريض ومراعاته قد يؤديان الى افضل النتائج.
توفي ابو محمد ـــ رحمه الله ـــ وكان نور الديوان ومصدر سعادته لضحكاته الصادرة من القلب ونوادره العجيبة وتصرفاته غير المألوفة في بعض الاحيان، لك الرحمة، ولذويك وأصدقائك الصبر والسلوان.
د. صلاح العتيقي